مصطفى بسيوني: “المبالغة” في المطالب ليست مبالغة

عن إضراب المراقبين الجويين والقطاعات الماهرة من الطبقة العاملة

 بقلم:مصطفى بسيوني

7أكتوبر2011

كثيرا ما تثار السخرية اللاذعة والنقد ضد مطالب بعض القطاعات العمالية التي تتمتع بمستويات دخل مرتفعة نسبيا بالقياس لمتوسط الأجور في مصر. فعادة ما يكون الرد على مطالب عمال السمنت او عمال الموانئ أو البترول بأن أجورهم أعلى من الوزراء وسرعان ما يتم اتهامهم بالجشع والطمع في مجتمع يعاني فيه عشرات الملايين من الفقر وتقاس الأجور فيه بمئات الجنيهات بينما أجور تلك القطاعات تقاس بالألاف.

وقبل مناقشة تلك الفكرة يجب النظر إلى أن النقد الموجه للحركة العمالية ومحاولات تشويهها لا تقف فقط عند نضال القطاعات مرتفعة الدخل منها فقط. بل إن النقد يمتد ليشمل كل الاحتجاجات والنضالات العمالية وفي كل مرة سبب جديد من الاتهام بالجشع والطمع في الحالات المذكورة إلى الاتهام بالتسرع وعدم مراعاة ظروف البلد إلى حتى الاتهام بالانتماء للثورة المضادة. من يسعى لانتقاد الحركة العمالية لن يعدم الحيلة والتحايل ولوي الحقائق ليتهم العمال ويتجاهل كبار الرأسماليين وكبار المسئولين الذين يجنون أرباحا ودخولا فلكية.

قد نجد أجر عامل في البترول أو الأسمنت أضعاف أجر موظف في وحدة محلية في الأقاليم. معنى هذا أن هذا الموظف يعاني من ظلم شديد ويجب أن يطالب بزيادة أجره. ولكن لا يعني هذا بالمرة أن عامل البترول أو الأسمنت لا يعاني من ظلم واستغلال. فعند وضع مجموعة من العوامل في الاعتبار قد نجد أنهما يستحقان أكثر بكثير مما يتقاضوه. فمثلا التأثير الصحي للعمل في صناعة الأسمنت أو البترول أو العديد من المهن التي تتمتع بأجر مرتفع والذي يؤدي بالعامل للإصابة بأمراض مزمنة وانعدام قدرته على مزاولة العمل في سن مبكر وقد تؤدي في أحوال كثيرة للوفاة المبكرة. هذا عامل ومن ناحية أخرى حجم الأرباح المتحققة من تلك الصناعة والتي تقاس بالمليارات ويحققها العمال بعملهم. عامل آخر هام وهو مقارنة الأجر المحلي في هذه الصناعات بالأجور في دول أخرى خاصة أنه مع تطبيق سياسات السوق فإن أسعار السلع المنتجة محليا تباع بنفس الأسعار المحلية وأحيانا أكثر كما في الأسمنت بينما أجور عمال الأسمنت في مصر أقل كثيرا من نظرائهم في الول المنتجة للأسمنت وحتى في نفس الشركات العالمية العاملة في مصر مثل إيطال سمنت وتيتان ولافارج. هذه العوامل وغيرها تجعلنا ننظر للنقد الموجه لبعض الاحتجاجات العمالية التي يحصل عمالها على أجور كبيرة نسبيا بالكثير من الريبة والشك وفي أفضل الأحوال نعتبرها سيئة الفهم وليست سيئة النية. ولكن النظر لحالات خاصة قد يكشف لنا ما هو أكثر. فمثلا يتمتع موظفو البنوك بأجور عالية نسبيا ولكن في نفس الوقت تتمتع شريحة من العاملين الجدد في البنوك بأجور خاصة تصل لعشرات الألاف من الجنيهات وهو ما يخلق تفاوتا غير مفهوم في الأجر داخل نفس البنك تحت مسمى الخبراء والمستشارين والذين تربطهم علاقات بمسئولين.

وربما كان المثال الأقرب هو احتجاجات المراقبين الجويين وقطاعات أخرى من العاملين بالمطارات والذين يحصلون على أجور مرتفعة نسبيا. يتجاهل البعض أن مهنة المراقبين الجويين تستدعى العمل تحت موجات اللاسلكي أو”الفيض الكهرومغناطيسي” لساعات طويلة وهو ما يؤدي لأضرار بالمخ والجهاز العصبي وأحيانا الإصابة بالسرطان. كذلك درجة التركيز والمهنية العالية والتدريب التي تحتاجها تلك المهنة تحتاج لتعليم وتدريب راقي جدا. ويكفي القول أن الخطأ البسيط في عمل المراقب الجوي قد يؤدي لخسائر بمئات الملايين فضلا عن الخسائر البشرية. والأهم أن ما يتقاضاه المراقبون الجويون من أجر في مصر أقل كثيرا من أجور نظرائهم في باقي دول العالم حتى الفقيرة منها. ولكن هناك التقاوت الداخلي أيضا. فبينما يحصل موظفون في قطاع معلومات المراقبة الجوية على أجر ثلاثة ألاف جنيه شهريا يحصل نظراؤهم حديثوا التعيين والمعروفون بدفعة أحمد شفيق على خمسة ألاف جنيه. ونفس الشيء في باقي القطاعات أي أن هناك تمييز بالفعل بين من يقومون بنفس العمل لا يقوم على أي أساس سوى ارتباطهم باحمد شفيق. ألا يحق لهؤلاء وهو أصحاب الأقدمية والخبرة المطالبة بالمساواة. الحقيقة أن مطالبة العمال ذوي الأجور المرتفعة نسبيا بحقوقهم المشروعة لا يمكن أن يكون ضد العمال في القطاعات الأقل دخلا. بل على العكس فقدرة أولائك على الحصول على حقوقهم سوف تحفز القطاعات الأفقر من العمال على التوحد والنضال مكن أجل تحسين أوضاعهم والحصول على حقوقهم. والأهم أن منطق الحركة العمالية دائما أنها لا تطالب بمقابل الفقر بل بمقابل العمل. لذا فمن حق العمال أن يطالبوا بحقهم مهما كان ما يحصلون عليه كبيرا لأنه بالفعل جزء من ناتج عملهم.

 المصدر: موقع مركز الدراسات الاشتراكية في مصر

Leave a comment